کد مطلب:239445 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:152

التشیع للعلویین
و بعد كل الذی قدمناه، فان من الطبیعی أن نری العلویین یتمتعون بالاحترام و التقدیر من مختلف الفئات و الطبقات، و أن نری ازدیاد احترام الناس، و تقدیرهم لهم باستمرار .. حتی لقد كان لهم فی نفوسهم من عمیق الحب، و صادق المودة، ما أرهب العباسیین، و أرعبهم .. و حتی لقد رأینا الرشید نفسه - و هو طاغیة بنی العباس بلا منازع - یشكو لعظیم البرامكة، یحیی بن خالد غمه و حیرته فی أمر الامام موسی (ع)، رغم أنه (ع) كان فی السجن. و نری یحیی بن خالد یعترف بدوره بأن : الامام « المسجون » قد أفسد علیهم قلوب شیعتهم !! [1] .

و لا یجب أن نستغرب شكوی الرشید تلك، و لا اعتراف یحیی هذا بعد أن كان التشیع [2] بحد سبیله الی كل قلب، و كل فؤاد، حتی



[ صفحه 133]



وزراء العباسیین، و قوادهم، بل و حتی نساء الخلفاء أنفسهم ..

فهذه أم الخلیفة المهدی تقیم خادما لقبر الحسن (ع)، و تجری علیه كل شهر ثلاثین درهما، دون أن یعلم بها أحد [3] .

و هذه بنت عم المأمون، التی كان لها نفوذ قوی عنده، یذكر المؤرخون أنها كانت تمیل الی الامام الرضا (ع)..

بل و حتی « زبیدة » زوجة الرشید، و حفیدة المنصور، و أعظم عباسیة علی الاطلاق، یقال : انها كانت تتشیع، و عندما علم الرشید بذلك حلف أن یطلقها [4] و لعل لهذا السبب أحرق أهل السنة قبرها مع ما أحرقوا من قبور بنی بویه و قبر الكاظم (ع) و ذلك عندما وقعت الفتنة العظیمة بین السنة و الشیعة سنة 443 ه [5] .

و أما وزراء العباسیین، فأمرهم أظهر من أن یحتاج الی بیان، فان التاریخ یحدثنا : أن العباسیین، ابتداء من السفاح، كانوا غالبا یبطشون بوزرائهم ؛ بسبب اطلاعهم علی تشیعهم، و ممالأتهم للعلویین. ابتداء بأبی سلمة، فأبی مسلم، فیعقوب بن داوود .. و هكذا الی أن ینتهی الأمر بالفضل بن سهل، و غیره من بعده، بل و حتی نكبة البرامكة یقال : ان سببها هو تشیعهم للعلویین !! و ان كان یقال : ان الرضا علیه السلام دعا علیهم، لأنهم كانوا سبب قتل أبیه ..

الا اذا كان تظاهرهم بمحبة العلویین بین مجاراة للرأی العام، و سیاسة منهم ؛ فاستغل ذلك الرشید ضدهم نعم .. لقد بلغ الامر حدا اصبح معه :



[ صفحه 134]



التسمی ب« الوزیر » یعتبر شؤما : و ینفر الناس منه كل النفور، كما سنشیر الیه فیما یأتی ان شاء الله تعالی ..

و أما عن امرائهم و قوادهم، فالأمر فیهم أوضح و أجلی، حیث انهم ما كانوا یرون الا والیا أو قائدا یخرج علیهم داعیا للعلویین، أو آخر قد خلع طاعتهم ، و استجاب لدعوة خصومهم آل علی، أو ثالث یخشی أن یمیل الیهم، و یتعاطف معهم .. و قد بدأ قوادهم بالخروج علیهم من زمن السفاح، الذی خرج علیه ابن شیخ المهری، داعیا لآل علی، و بعد ذلك كانت ثورة القواد علی المنصور داعین الی موالاة أهل البیت، و قامت ثورة ضد المنصور، و داعیة للعلویین فی نفس خراسان، و ذلك فی سنة (140 ه ). و بعد ذلك و فی زمن المهدی العباسی قامت ثورة اخری فی خراسان تدعو الی آل أبی طالب بقیادة صالح بن أبی حبال .. و عظم شأنه جدا، و لم یمكنهم القضاء علیه الا باعمال الحیلة [6] و أما فی زمن الرشید، فقد ثارت الفتن بین أهل السنة و الرافضة، علی حد تعبیر النجوم الزاهرة ..


[1] الغيبة للشيخ الطوسي ص 20، و البحار.

[2] كلمة « التشيع » التي ترد في هذا الكتاب، لا أقصد بها غالبا - التشيع بمفهومه الأخص و المذهب المعروف، و انما أقصد بها مجرد الولاء و الحب للعلويين، و تأييدهم ضد خصومهم، سواء أكان ذلك من الشيعة بالمعني المعروف، أو من غيرهم من أهل الفرق الاسلامية الاخري.

[3] الطبري ج 752 / 11، طبع ليدن.

[4] ذكر ذلك الصدوق في المجالس ؛ فراجع : رجال المامقاني، مادة : « زبيدة ».

[5] الكني و الألقاب ج 289 / 2 نقلا عن ابن شحنة في روضة المناظر.

[6] راجع : لطف التدبير ص 105.